Tuesday, June 21, 2005

بدايتي معه

السواد يحوطني من كل اتجاه
أمواج البحر تشدوا بأغنية المساء ، و أنا أتقدم باتجاه المياه
لا حد فاصل بين السماء و البحر ، لا أفق ، لا معالم ، لا شي أبداً
السواد يبتلعني ، و أنا أتركه يلتهمني بتلذذ

أسير نحو البحر ، أترك لنفسي قيادة نفسي باتجاه المجهول
بلا وعي أسير ، أقدامي باردة ، الماء يبللها ، يجمدها ، و مع هذا أكمل المسير
...هناك ما يجذبني لأن أتغلغل أكثر ، لأن أتعمق في البحر أكثر ، لأنـ

(( مــــــهـــــا ، أحضرت لك القهوة ))

يناديني (بدر) ، فينتشلني من عالم أشبه بالحلم

انتبهت فجأة بأنني كنت منقادة ، قوى خفية أجهلها تماماً كانت تقودني باتجاه البحر
سحر تام خرب مفعوله صوت ( بدر ) ه

ما الذي كنت أحاول فعله بالضبط ؟

ألتفت إلى الخلف ، فأراه واقف يرتجف من البرد و بيده كوبي قهوة
أحببت رؤيته و هو واقف حامل الكوبين بيده و قد أسبغت عليه إضاءة الشارع و أنوار السيارات من بعيد ، هالة ملائكية الشكل
و الأهم من هذا كله ، كان يبتسم ابتسامته الهادئة

أدس رجلي بعجل في حذائي ، و أركض باتجاهه ، و آخذ منه أحد الأكواب ، ثم أسحبه من يده ، لنقترب من البحر
و هناك ، حيث نسمع صوت المياه الآتية و الراحلة ، جلسنا
فكرة مجنونة أن أقترح عليه أن نقضي سمرتنا على شاطئ البحر في شهر يناير
فهذا الجو البارد كفيل لأن يجمد الدم في عروقنا

لكني أرغب بالحصول على ذكرى مع (بدر) على شاطئ البحر
أبذل كل ما في وسعي للحصول على أكثر قدر من الذكريات الجميلة معه قبل أن يرحل و يتركني
لم يبقى الكثير على بقاءنا معاً ، سيرحل قريباً ، قريباً جداً

أريده أن يعرف مدى عشقي للبحر ، أريده أن يدرك سحر القهوة الساخنة ، أريده أن يلمس معنى أن أكون سعيدة فقط لأنني بجانبه هو ، هو بالذات من بين كل البشر

أيصله ما أريد إيصاله ؟

منذ أن تم كتب الكتاب ، و نحن نتعامل كمخطوبين
هذا بالضبط ما أريده ، و ما أرتاح له
تواجدي معه جائز بصفة قانونية و شرعية ، و في نفس الوقت ، بالطريقة التي أريد حتى يعود من سفره

يزورنا (بدر) يومياً ، حتى صار كأحد أفراد أسرتنا ، بل هو واحد منا الآن ، ثم في الليل يأخذني لنخرج سوية إلى أحد الأماكن ، اليوم أصّريت على أن نجلس على شاطئ البحر في شارع الخليج

هناك على الشاطئ اتخذنا مكاناً منعزلاً قرب أحد المقاهي ، حيث تتاح لنا حرية الحديث و التأمل

هل جربتم التأمل ؟

حينما تراقبون الأشياء فتحملكم إلى عوالم جديدة غريبة يعجز القلم عن وصفها ؟

هل يدرك ( بدر ) معنى تأمل البحر ؟

أختلس نظرة إليه متسائلة في نفسي ، هل يجره البحر للتفكير في أمور مختلفة كما يفعل معي ؟

لكني أكتشف أنه المسكين يرتجف من البرد
عيناه تنظران إلى القهوة و يحوط الكوب بيده طالباً بعض الدفء

منظره يثير الشفقة ، أنفه محمر ، و فمه يـُخرج الأبخرة ، و الكوب يرتجف بين أصابعه

! و على الرغم من ذلك ، يبتسم

أحب رؤيته و هو يبتسم ، لابتسامته سحر خاص ، ربما ليست ساحرة لدى الأخريات
فـ(جوري) تقول ، ان ابتسامته عادية


لكني أحبها ، هكذا ببساطة أحبها ، أحب ابتسامته لصدقها ، لهدوئها، لما تحمله من معاني حلوة

أحبها لأني أحبه ، ألا يكفي هذا المسوغ لأن تسحرني ابتسامته ؟


أرتشف رشفة من الكوب الساكن بين يدي ، فأهتف : ( يـــــــــــاااااااااااااااااااااااه .. ما أجملها دافئة ) ه

يقول لي و هو يحاول أن يخفي اصطكاك أسنانه المتجمدة: ( تشعرين بالبرد ؟! ما رأيك أن ندخل داخل المقهى ؟ ) ه

أهز رأسي نفياً ، ثم أرد عليه : ( لنجلس قليلاً بعد ، على الأقل ، حتى ننتهي من احتساء القهوة ) ه

أخذ يضحك و يقول: ( احتساء !! ، اشربيها شرباً حتى تدفئي ) ه

أضحك بصوت عال ، أضحك و أضحك و أضحك، حتى سال الدمع من عيني
! هل يريدنا أن ندخل للداخل حتى أدفأ ؟ أم حتى أعتقه من الجلوس في هذا الصقيع

أنهض من على الرمال بعد أن شعرت بنوع من تأنيب الضمير
أنفض التراب من على ملابسي بيدي اليمنى
و أحاول أن أحافظ على اتزان الكوب في اليد اليسرى

و على الرغم مني تنسكب بعض القهوة على يدي ، حارقة ، مؤلمة ، فأسارع لكتم الألم

لكن ، رغماً عني ، تفر بعض الدموع من عيني
تباً لهذه الدموع ، من قال لها انزلي ؟ لم أسمح لها بالنزول ! ، أنا سعيدة أيتها الدموع سعيدة ، ألا تفهمين ؟؟

أشكر الله أن الليل يخفي هذا القطرات
أمسحها دون أن يلاحظ (بدر) ما حصل ، و أطلب منه النهوض لنقضي بقية الليل في الداخل

نسير جنباً إلى جنب

و في كل خطوة نخطوها معاً إلى الأمام ، أشعر بأن قلبي يعزف أجمل عزف قام به في حياته ، فأهمهم بنغمٍ يتماشى مع معزوفة قلبي الحالمة


سـعـيـدة ، أنا سـعـيــــدة


ما المميز في (بدر) ؟
لا ميزة في مظهرة ، يلبس كنزه صوفية ، و وشاحاً يحوط عنقه ، و يرتدي بنطال مصنوع من الجينز

عادي ، هو بالضبط ، شاب عادي ، كأي شاب نراه في اليوم ألف و خمسمائة مرة

لكنه بالنسبة لي ، كنجمة ألقها متفرد في السماء
نجمة !! لا ، بل هو البدر ، البدر الذي تغنى به الشعراء و هام به العشاق

ياله من انسان


لما وصلنا أخيراً إلى المقهى ، اخترنا مقاعد منزوية
اختياري بالتأكيد ، أريده أن يعرف مدى حبي للزوايا ، عليه أن يعرف أن الزوايا هي أفضل الأماكن على الإطلاق

لما جلسنا أخيراً ، تنهد ( بدر ) و فرك يديه و قال ( أخيراً حصلت على بعض الدفء ) ه

سألته متظاهرة بالغباء ( ألم يعجبك البحر ؟ ) ه

أجاب بنبرة شبه متلعثمة و سريعة ليتدارك الخطأ الذي وقع به ( بلى ، يعجبني ، لكن الظلمة لم تترك لي مجالاً لأرى أي شيء ) ه

قلت بشيء من الدلال : ( نعم ، فالبدر لم يظهر في السماء ، أتدري لماذا ؟ ) ه

قال : ( أهذا سؤال ؟ بالطبع لأننا في آخر الشهر القمري ، أضيفي إلى هذا أن الغيوم تملأ السماء ) ه

همست : ( لا ، ليس هذا السبب ، السبب هو أن البدر كان يسير على الأرض بجانبي ) ه

حدق في وجهي للحظات ، ثم انفجر في الضحك

ضحك ضحكة ملأت المكان ، فصار الجميع يحدق بنا
شعرت بخجل شديد ، و أحمرت وجنتاي ، و صرت أعبث بالكوب الذي أمامي متظاهرة بعدم المبالاة لما يصدره من قهقهات ، لأول مرة أكلمه بهذه الطريقة ، لماذا يضحك !! و من شدة توتري و عبثي بالكوب ، ينسكب ما تبقى من القهوة على الطاولة

توقف ( بدر ) عن الضحك قليلاً و صار ينقل بصره بيني و بين بقايا القهوة المسكوبة ، ثم انفجر بالضحك مرة أخرى لكن بدرجة أقوى و أشد

بحركات عفوية ، ساذجة ، مرتبكة ، رحت أمسح الطاولة بالمنديل الموضوع عليها
كم أتمنى أن تنشق الأرض و تبتلعني ، أنا محرجة ، محرجة جداً

توقف (بدر ) فجأة عن الضحك و قال : ( أجيبي بسرعة ، ما المسافة بين حرفي الجيم و التاء المربوطة في كلمة : جميلة ) ه

بدأت عادته في العمل مرة أخرى ، هذا الرجل يعشق الأسئلة بشكل مجنون


تركت المنديل ، و فكرت قليلاً ثم قلت بصوت المنتصر : ( ثلاثة حروف ) ه

هز رأسه نفياً ، و قال : ( ذكية ، إجابة منطقية ، لكنها ليست الإجابة المطلوبة ) ه

! فكرت مرة أخرى ، مع تركيز مكثف ، سؤال غريب

حاولت جاهدة أن أجد إجابة ممكنه ، أحاطني الصمت ، و تعمقت في التفكير
فجأة هتفت : ( ميــــــــــــــــــــل , المسافة ميل ) ه

ضحك ، و تخلخلت ضحكاته جمل متقطعة ( ذكية ، أنتِ ذكية ، صحيح المسافة بين أول حرف و آخر حرف من كلمة جميلة هي ميل ) ه

بتر ضحكته بسؤال مباغت : ( هل رأيت المرأة التي مرت بجانبنا ؟ ) ه

أجبته متحفزة : ( نعم ، ما بها ؟ ) ه

قال : ( هل كانت ترتدي أقراطاً أم لا ؟ ) ه

كدت ألتفت إليها لأرى إن كانت ترتدي أقراطاً أم لا ، فقال قبل أن أحرك عنقي : ( لا تلتفتي ، هذا امتحان قوة ملاحظة ) ه

حاولت استرجاع معالم تلك المرأة ، أذكر أنها كانت تمشي بخيلاء ، شعرها قصير ، و ملابسها تنم عن ذوقٍ راقِ ، هذا النوع من النساء ، لا يخرجن من المنزل من غير تعليق الأقراط في آذانهن

قلت له بصوت واثق : ( نعم ، كانت ترتدي أقراطاً ) ه

ابتسم ابتسامة رضا ، فعرفت أن إجابتي كانت صحيحة

ساد بعض الصمت بيننا ، فكسرته بسؤالي : ( لماذا تسأل دائماً هذه الأسئلة ؟ ) ه

أجاب : ( ظننتها مسلية ) ه

قلت مؤيدة : ( بالطبع مسلية ، لكن لنفكر قليلاً ، ما الذي أستفيده من معرفة إن كانت تلك المرأة ترتدي أقراطاً أم لا ! ، ما المفيد إن عرفت إن كانت القطة التي مررنا بها قبل قليل برتقالية اللون أم رمادية ! ما الفائدة إن عرفت إجابة أكان الرجل الذي في المحل يرتدي الحذاء أم النعال ! ما فائدة كل هذا ؟ ، أتدري في كل الأسئلة التي تطرحها علي ، قمت باستنتاج أجوبتها ، فإما أصيب أو أخطئ ، لا أملك قوة ملاحظة كافية لتقوم باختبارات قوة الملاحظة هذه ، ذاكرتي ضيفة جداً ) ه

رشف رشفه من كوبه فقال بنبرة تدل على خيبة الأمل: ( بردت القهوة ) ه


انتظرت لحظات ليجيبني لكنه كان صامتاً تماماً ، فسألته : ( بدر ، ألن تجيب ؟ ) ه

نظر في عيني مباشرة نظرة أربكتني ، و سأل : ( أتعرفين كيف يدربون أفراد الجاسوسية ؟ ) ه

أجبت بذهول : ( جاسوسية ! ، لا أدري ، أخبرني كيف ؟ ) ه

رد بإجابة سريعة : ( كما أدربك الآن تماماً ) ه

ثم أكمل ( في كل وقت يطرح الرؤساء على المتدربين أسئلة من هذا النوع ، أسئلة متوقعة و غير متوقعة ، ثم مع الاستمرار في طرح هذه الأسئلة و الإجابة عليها تتكون لدى المتدربين قوة ملاحظة عجيبة اتجاه كل شي ، هذه الحاسة تتطور في نفوسهم حتى تصير جزاءاً منهم ، عندها يصير الواحد منهم فرد من أفراد الجاسوسية العظام ) ه

قلت مندهشة : ( يا لها من طريقة ، هل حقاً يقومون بهذا ؟ ) ه

أومأ برأسه مؤكداً على أن ما قاله هو الحقيقة ، فصحت مبدية سعادة في داخلي : ( إذن أنت طوال الوقت تقوم بتدريبي لتزيد قوة ملاحظتي ، من الواضح أنك لاحظت أنني لا ألاحظ شيئاً على الإطلاق ، أتدري أحياناً أجلس مع بعض الناس لساعات و ساعات دون أن ألاحظ ما يلبسون !! ........... لكن أخبرني ، من أين لك هذه المعلومات ؟ ) ه

ابتسم (بدر) و قال و هو يشعر بالعظمة : ( من الكتب و صفحات الانترنت ، أحب قراءة كل ما يتعلق بهذه الأمور ) ه

قلت بصوت ضعيف : ( أنا لا أقرأ شيئاً عدا الروايات ، أحب الروايات بشدة خصوصاً الحالمة منها و ذات النهايات السعيدة ، كما أحب الفانتازيا و كل ما هو خيالي و لا يمت لواقعنا بصلة ، قرأت مرة رواية عن الشرطة و المهام البوليسية فأغلقتها قبل الوصول للصفحة الثالثة ، و قرأت مرة رواية مترجمة تحكي قصة مرعبة و عن الدماء و الجثث فلم أجرؤ على تكملتها ، لم أغلق تلك الروايات لأنها مملة ، لا أبداً ، فقد وجدت فيها المتعة من أول سطر قرأته ، لكن ألا تعتقد معي أننا نملك في واقعنا ما يكفينا من رعب و جرائم و أحزان و سرقات و اختلاسات و إلى آخره من هذه الأمور ؟ ) ه

نهض من مكانه مبتسماً و قال دون أن يجيب على سؤالي : ( قهوتك انسكب و قهوتي صارت قطعة ثلج ، لنعد إلى المنزل ) ه

ابتسمت بدوري ، و نهضت من مكاني بسرعة ، تأبطت ذراعه و سرنا معاً باتجاه باب الخروج ، لما وصلنا عند الباب
توقف (بدر) فجأة و قال : ( انتظريني هنا ، لن أتأخر ) ه

اتجه بسرعة نحو البائع ، ثم عاد إلي و بين يديه كيس صغير

مد يده بالكيس إلي مبتسماً ، و قال : ( هو لكِ ) ه
أخذت الكيس و بفضول رأيت ما بداخله ، فكانت هناك قطع البسكويت التي أعشقها
صحت كالأطفال ( الــلــــــــــــــــــــــــــه ، أنا أحب هذا النوع من البسكويت ) ه

بالفعل أنا أحب البسكويت ، لطيف أن يتذكر ما أحب
عدت بعد هذه الرحلة الرائعة مع (بدر) إلى المنزل



و في المنزل ، في غرفتي بالتحديد ، حيث أستلقي على السرير و بجانبي كيس البسكويت
كنت أ فكر بـ (بدر) ه

أعتقد أن تواجدي معه في الأسابيع الماضية ، و خروجي الدائم بصحبته ، وثق صلة قوية بيننا ، هو الرجل الأول الذي يقتحم حياتي اقتحاما


أسواري و حصوني و قلاعي المغلقة باحكام كلها صارت مُفَتَحة الأبواب له

له وحده دون غيره من بني البشر

أقسم بربي ، بأنه الآن أغلى ما أملك

مشاعري المتدفقة اتجاهه ، لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفها

هل هذا هو الحـب ؟
نعم ، أعتقد انه هو



-----------------------------------
ملاحظة
مبروك للأخ : قلم جاف تم اضافة تعريفك لسحيلة أم الخلاجين
=)
و أشكر كل شخص قام بتعريفها باللهجة العامية
بصراحة استمتعت في قراءة التعريفات

Friday, June 17, 2005

بخصوص المدونة ::: نعود من جديد

غبار يغطي أرض هذه الصفحات

على الأتربة آثار أقدام مرت من هنا
و على الجدران ، خـُطَّـتْ كلمات تناديني



هنيئاً لي تواجدكم قرائي الأعزاء



المعذرة
فقد كنت امر بعاصفة أغرقت اسطولي و بعثرت خرائطي
و كسرت مجداف قارب النجاة
كنت تائهة وجلة خائفة أبحث عن اليابسة

و كالعادة ، يكون الأمل بطل الحكاية ، لينتشلني من تيهي

الحمد لله

الآن أنا بخير ، سعيدة بعودتي ، و سعيدة بتواجدي معكم أنتم



أتوفي كلمة ( شكراً ) التعبير عما في نفسي ، حينما يتلعثم لساني و يرتعش قلمي بين أصابعي ؟
إن كانت كذلك

فـ شكراً لمن خصني برسالة
و شكراً لمن خصني بكلمة
و شكراً لمن عبر هنا فافتقد تواجدي و كتم ذلك في صدره

شكراً لكم جميعا

ً
و إن لم توفي كلمات الشكر حقكم ، اعذروا لي تقصيري
فقلوبكم أكبر من أن تضمر لي اللوم على هذا الانقطاع



بإذن الله ، قريباً ستلقون ما يرضيكم
القليل من الصبر فقط

:)


تقديري و احترامي